الأحد، 4 أكتوبر 2009

بلدي والإنتماء


بلدي والإنتماء



عندما نتحدث عن الإنتماء,فنحن نتحدث عن مشاعر متداخلة يشعر بها المواطن و ربما لا يعلم كيف نشأت هذه المشاعر ,وأحياناً يحاول البعض أن يتخلص منها ولا يستطيع.
أولاً ما معنى الإنتماء
المعنى اللغوي للإنتماء هو الزيادة والإنتساب والإرتفاع والإزكاء(النماء والزيادة)
والإنتماء للوطن هو مجموعة عوامل مختلفة بيبئية وجغرافية ودينية تجعلنا نشعر بمشاعر ممتزجة نسميها الإنتماء تجعلنا مستعدون لبذل أي شئ للحفاظ على هذا الكيان الذي ننتمي إليه,فالطبيعي أن ينتمي كلٍ منّا لدينه وأسرته وبيته ومدينته وبلده ووطنه وإلى الكرة الأرضية.

و لا أتخيل أن يعيش إنسان دون أن ينتمي إلى شئ معين سواء كان دين أومكان أو مجموعة
ولا أتصور أن يعيش إنسان دون أن يشعر أنه جزء من كل.
والأن دعونا نتطرق إلى النقطة الأساسية,فإنتمائي يدفعني أن أتسأل كل يوم عندما أرى أمور في نظري غير صحيحية تحدث في بلدي مصر وكثيراً أُرجع هذه الامور إلى عدم الإنتماء وأتسأل هل هذا حقاً عدم إنتماء,وإذا كان عدم إنتماء فما سببه وكيف نستعيده.
السؤال الأول هل نحن حقاً نعاني من عدم الإنتماء؟
أولاً لنجيب على هذا السؤال فلنعرف ما هي مظاهر عدم الإنتماء,فهي بإختصار سيادة القيم الفردية,والأنانية, والسلبية,وعدم الإلتزام بالقيم و القوانين واللامبالاة بأحوال الوطن وبالتالي عدم المشاركة في الأنشطة المختلفة.

وهذه سلوكيات نراها كثيراً في سلوكيات المصريين تبدأ بإلقاء القمامة في الشوراع ,تخريب المرافق العامة,عدم الإهتمام بالمظهر العام للبلد,التقصير في أداء العمل,عدم تقبل الأخر,قلة المشاركة في العمل التطوعي,عدم المشاركة السياسة أو في الإنتخابات والتي بها يتغير مستقبل الشعب, الهجرة سواء بطرق شرعية او غير شرعية قد تودي بحياة الشباب ,إنتهاءً بالهجرة والسفر إلى إسرائيل والزواج من إسرائيليات (عدد الشباب المصري المتزوج من إسرائيليات حسب التقديرات المصرية 30 ألف شاب)

السؤال التالي ما هي أسباب عدم الإنتماء,هل حقاً الإنتماء وليد المصلحة؟ ليس الأمر هكذا,بل يولد كل إنسان ومع بداية حبه لوالده ووالدته و أسرته ومن ثم للمنطقة والمحيط الذي حوله,يتولد لديه حب الوطن .ولكن كي يستمر وينمو هذا الحب والإنتماء فلابد من حب وعطاء متبادل,ومن هنا يبدأ يفكر أحد الطرفين(المواطن) في أن يحصل على ما يؤكد له حب وإحتواء بلده له,كي يشعر بالرغبة في إستمرار العطاء والحب الإنتماء,وعندما لا يجد ما يثبت له هذا الحب المتبادل أو الإحتواء يتوقف العطاء ويبدأ البعض بالتساؤل عن ماذا أعطتني بلدي,ويبدأ في إنتظار الأخذ دون العطاء,ثم يصبح ناقم على حياته وعيشته في بلده وينمو الإحساس بعدم الإنتماء وربما يصل حد الكره, ويتلهف للحصول على أي فرصه للهجرة.
وهذا هو التدرج الطبيعي لأي إنسان لا يشعر بالإنتماء لبلده.
ولكن بالرغم أن هذا طبيعي إلا ان الفرد قد يتناسى دوره و واجبه في البحث عن مشكلة بلاده وأسباب عدم قدرتها على العطاء,خصوصاً عندما نتحدث عن بلد مثل مصر,والتي كثيراً كان لها فضل على المصريين و على غير المصريين,والتي يجب ان يقف بجانبها أولادها في مرضها كما كانت تقف كثيراً بجانب الجميع في عافيتها.

وبما أن الشعب المصري مقسم إلى فئات ,كلٍ منها يعيش ظروف وحياة مختلفة فلنقسم الشعب المصري إلى ثلاث فئات أو طبقات,فلابد أن لكل طبقة أسبابها التي أدت إلى عدم إنتمائها:
الفئة الأولى هي الفئة الفقيرة متواضعة التعليم أو غير المتعلمة,وتظهر مظاهر عدم الإنتماء في هذه الطبقة من المجتمع في تخريب المرافق العامة وإساءة المظهر العام وعدم الإهتمام بالمجتمع من حولهم,فقط الشاغل الأول والأخير هو محاولة العيش في أي مكان وإيجاد قوت يومهم وأن يمر بسلام وهكذا كل يوم,وهذه الفئة واضح سبب عدم إنتمائها فهي ترى غيرها من زملائهم في المواطنة يعيشون حياة رغدة كريمة و أحيانا دون وجه حق ,أناس يمتلكون كل شئ وهم لا يمكلون أي شئ,أناس من حقهم ان يعالجوا إذا مرضوا وهم ليس من حقهم, وهم يلاقوا أسوء معاملة ويروا ألوان لا حصر لها من الإذلال,فهذه الطبقة هم فئران التجارب,فهم يعالجون بالمجان ويعلمون أبنائهم بالمجان وكلمة مجان في عصرنا مع تلك الفئة تعني إذلال وإهانة, بإختصار هذه الفئة تشعر بالظلم والإضطهاد,فهي لا تجد أي شئ من البلد يجعلها تشعر بإحتوائها لها وبالتالي تصاب علاقة الإنتماء بالفتور,ويصبح الإنتماء نوع من السذاجه وبلا مبرر,وبالتالي لا يعرفون معنى للإنتماء وقد يصل بهم الأمر للسرقة ,سرقة الوطن وسرقة الغير بدافع أن هذه الحقوق غير موزعة بالعدل,ويحاولون قدر الإمكان تخريب ما يجدون أمامهم ربما ليشعروا أن هذا من حقهم,فإن لم يكن من حقهم إمتلاكه فعلى الأقل من حقهم تخريبه أو ربما بدافع الإنتقام.

أما الفئة الثانية, وهي التي حصلت على قدر من التعليم وقدر من الثقافة,وتظهر مظاهر عدم إنتماء هذه الطبقة في السلبية واللامبالاة والإحباط وعدم المشاركة السياسية بالرغم من معرفة أهميتها ,وقلة المشاركة في العمل التطوعي,وسبب عدم إنتمائها هو خيبة الأمل بعد التعليم حيث تجبر الظروف فئة لا بأس بها من شباب هذه الطبقة بالإشتغال بأي وظيفة حتى وإن كانت في أي تخصص,فلا أنسى مهندس شاهدته في التلفاز حاصل على بكالوريوس هندسة قسم عمارة بتقدير جيد جداً ويعمل عامل نظافة, وفي رأيي هذا له تأثير سئ كتأثير البطالة,وهذا يعتبر إهدار للكفاءات والإمكانيات,بالإضافة إلى سيادة الرشوة والمحسوبية , مما يسبب الإحباط والعزلة. أيضاً هذه الفئة تجد عادتاً محاولتها للتغيير أو للإصلاح تقابل بالإحباط وأن مشاركتها ليس لها تأثيير وأن صوتها غير مسموع وأيديهم مكتوفة,هذا بجانب الإحساس الدائم بالخوف من نتائج المشاركة السياسية والتي يُروج لها مما يؤدي للإحساس بالعجز والإحباط واللامبالاة وبالتالي السلبية ويتولد لديها إحساس بالكره للمسئولين والقانون وبالتالي لا يلتزموا بالقوانين والقيم.

أما الفئة الثالثة فهي طبقة المسئولين وأصحاب القرارفي البلاد,وهؤلاء في رأيي تظهر مظاهر عدم إنتمائهم في تبديد أموال الوطن والحكم بالفساد والرشوة والمحسوبية والأنانية وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة,ولإن في بلادنا المسئولين يأتون إلى الحكم والمنصب بالتعيين وليس بالإنتخاب,فيكون إنتمائهم و ولائهم لصاحب القرار والشخص الذي قام بتعيينهم وليس للوطن والشعب.

وتشترك الفئات الثلاثة في عدم الإتقان والإجتهاد في العمل والسلبية والإنتهازية ومحاولة الوصول للمال بأي طريقة حتى ولو كانت غير شرعية,وسيادة القيم الفردية والأنانية وعدم تقبل الأخر وعدم إحترام اللغة والإنتماء إليها.

أما الجزء الأخير فهو صاحب السلطة شخصياً,وفي بلادنا العربية يستمر صاحب السلطة في الحكم لفترات طويلة,ويقول أطباء النفس ان الإستمرار في السلطة لفترات طويلة له أضرار نفسية على صاحب السلطة وأهمها أو ما يهمنا هنا هو العزلة عن الشعب والواقع وبالتالي عن الوطن ومشاكله وإحتياجاته( حيث يبعده عن حقيقة الحياة وطبيعتها وعن حقيقة الناس ومشاعرهم ويفرض عليه وجودا كاذبا خادعا فهو لا يرى الحياة إلا من خلال تقارير تعكس وجهة نظر من كتبوها ولا يرى من الناس إلا أقنعة لبسوها رغبا ورهبا , ولا يبقى له من معرفة بالحياة الحقيقية إلا ذكرياته عنها قبل أن يجلس على كرسى السلطة وكلما تقادم به العهد فى السلطة خفتت هذه الذكريات فلا يبقى بينه وبين الحياة الحقيقية أى ارتباط . وهذا أحد الأسباب الذى جعل الدول الديموقراطية تحول دون أبدية السلطة حفاظا على السلامة النفسية لصاحب السلطة وحفاظا على صحة العلاقة بينه وبين شعبه --أمراض السلطة -دكتور/ محمد المهدى -استشارى الطب النفسى).

وكل هذه المظاهر السلبية لعدم الإنتماء من شأنها دون نقاش أن تحول بين الوطن والتقدم,فالتخلف والفوضى وتفكيك الوطن وبيع الضمائر والوطن النتيجة الطبيعية لعدم الإنتماء

أما عن الحلول فهو إعطاء الحرية لأفراد الشعب لإبداء أرائهم وإحترامها والأخذ بها وللمشاركة السياسية, سيادة العدل في الثواب والعقاب وإتاحة الفرص للجميع دون محسوبية أو مجاملات.
وفي رأيي أن الحل بنسبة كبيرة في يد شباب الفئه الثانية,فيجب علينا المثابرة والإصرار على محاولة إصلاح أحوال بلادنا وفي نفس الوقت نحن أصحاب القرار والحكم والمسئولين عن البلاد غداً,ونحن أيضاً من يستطيع أن يصل للفئه الأولى الفقيرة للمجتمع والتطوع لمساعدتهم وتوعيتهم ومحاولة توفير حياة كريمة لهم,كي لا يشعروا أنهم منفصلون عن باقي أفراد الوطن و مضطهدون ولا يشعر بهم احد.
أيضاً من أهم الحلول التربية- من خلال الأسرة ومن خلال المدرسة- على حب الوطن والإنتماء إليه وعرض مشكلاته ومحاولة إيجاد حلول لها, ومساعدة الأخرين والإيجابية والمشاركة الإجتماعية والسياسية والتضحية من أجل الوطن , وغرس السلوكيات الصحيحة والأداب العامة,وإظهار قدوات صالحة.
فلنعلم أن الأوطان تنهض وترتقي بالإنتماء والعطاء والتضحية,فلن تعطينا بلادنا شيئاً إلا عندما نحل مشكلاته ونشعر بأزماته,وليصمت قليلاً من ينظر إلى الأوطان على إنها غنيمة لابد أن يأخذ منها وليفكر من تعلم وتربى في خير هذا البلد في دوره اولاً فلا أخذ دون عطاء ولا إرتفاع دون إنتماء.

على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء
باحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب
وباحبها وهي مرميه جريحة حرب
باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء
واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء
واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب
وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب
ولنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب